أول ما انفتحت شاشاتنا العربية على ثقافات غير أوروبية أو أمريكية كلاسيكية، كانت تسونامي المسلسلات المكسيكية تحاصرنا من كل جانب وكانت خدمة الدبلجة مضمونة من طرف شركات إعلامية عربية وسيطة، كانت بمثابة المحفز الذي يسر تفاعل كل شرائح مجتمعنا العربي مع ألوان و أطياف هذه المسلسلات و سهل تغلغلها حتى أعرق الأسر المحافظة...ومعها في ثناياها أفكار المجتمع الغربي وطفيلياته... لكن هذه المرة في ثوب جديد وبنكهة وطعم أكثر سلاسة و قابلية للتناول والاستطعام...ذكرني بالأدوية المعدة بنكهات الليمون أو المحلاة ليسهل على الأمهات إقناع أطفالهم بتناولها...
وبما أن المجتمع العربي معروف عليه بسرعة الملل و ميوله إلى التغيير والجديد،و بالرغم من تجريب أشكال جديدة... تعرضت هذه المسلسلات المكسيكية وأخرى إسبانية وغيرها أعقبتها للانقراض من شاشاتنا...لأنها كانت تفتقر لعامل أساسي... فتكاثفت الجهود والمساعي ...وكان العقار المعجزة: اعتماد عامل جديد أكثر نجاعة...وهو: العامل الإسلامي !!
....ليخرجوا إلينا بعقار جديد اسمه » نور « ...مسلسل نابع من أرض إسلامية وبألوان علمانية معارة لراية الغرب... وربما كان هذا الاسم لهذا المولود الجديد يوحي ب » نور« جديد سيهديننا إلى ضلالة جديدة...
فانتقلنا من العصر المكسيكي إلى العصر العثماني... عفوا التركي...
بعد عرض وابل من المسلسلات التركية منها ما تزامن مع الشهر الأبرك: شهر الصيام ،وربما لم تكن البرمجة مصادفة ...كثيرا ما سمعنا عن مواقف غريبة ويندى لها الجبين وقعت حقيقة في مجتمعاتنا العربية للأسف...كتحصيل حاصل عن استهلاك غير رشيد لمنتوج لا نعي شيئا عن مكوناته ولا عن صلاحيته ولا عن الغاية من تصديره إلينا...من هذه الغرائب :
1ـ في يوم كانت أم تلقن لولدها أسماء الأنبياء فذكر لها اسم النبي #يحيى# وذكر بعدها (زوجته لميس)... الأم في صدمتها لم تصدق ما سمعته وطلبت منه أن يعيد ما قاله فأعاده...لا تدري المسكينة أتضحك أو تبكى.........
2ـ تطلقت سيدة من زوجها بعد أن أبدت أمامه عنوة إعجابها بمهند..............
3ـ تطلقت ثانية من زوجها بعد أن وضعت صورة مهند بواجهة جوالها وما كانت قبل ذلك لتضع صورة زوجها........
4ـ طلبت سيدة من زوجها أن يعاملها مثل معاملة مهند لنور أو يطلقها... فاختار الحل الأقرب للمنطق و الأحفظ لنخوته وطلقها...................
5ـ طلبت آنسة من خطيبها أن يغير اسمه لمهند لأنها هي اسمها نور فتركها خطيبها..............
6ـ طردت ممرضة من عملها بعد أن جلست في قاعة الانتظار تتفرج على سنوات الضياع وهى تبكى على لميس و تركت المرضى و أهملت عملها..........
7ـ في موضوع تعبير في الصف الرابع طلبت المعلمة من البنات أن يكملوا واحدة من القصص التي أعطتهم إياها فاحتجت البنات وطلبوا تغيير القصة لوضع نهاية مناسبة لمسلسل سنوات الضياع فوافقت المعلمة تحت الضغط ، فكانت النتائج مبهرة.........
وإذا نحن تمعنا في ثنايا هذه المسلسلات سنجد أفكارا ملغومة في حلقاتها تكاد تتسلل إلى كنه عقيدتنا لتزحزحها...فلن نكون ظالمين و متحيزين ونقول بأنها تلهينا عن عباداتنا...لان هذا تتكفل به ثلة من المسلسلات والبرامج الأخرى... لكن الأخطر في الأمر أن اللغم يقدم محبوكا في إطار خادع...لأنه يفترض به أنه مستسقى من بلد إسلامي وبالتالي يقدمه صاحب الفكرة ــ أو المكيدة إن صح القول ــ في صفة المجتمع الإسلامي المثالي المتحضر المتسامح المتفتح على كل الحضارات و لا عجب في ذلك أن الفكرة أو النظرية مدعمة بطلاء إعلامي ودعاية على كل المستويات...
فتركيا أضحت مركزا مشعا و محط كل الأنظار ويكفينا ذكر: تصدرها العناوين في فترة العدوان على غزة ولا شك أن في الكواليس ما عزز وضخم هذا البريق الإعلامي وسعى في اتجاه تثمينه على حساب غيره ...و التسابق الأوروبي الأمريكي على ضمها كل إلى حلفه...ومن ثم بث أفكارهم وبرامجهم من قواعدها...
ربما فكرتهم أن هذه المسلسلات ستكون الأقرب إلى قلب الشعب العربي الذي تأثر بها كثيرا، لان المجتمع التركي من خلال عاداته وتقاليده مشابه للمجتمع العربي إلى حد ما...و أن الحنين إلى التعايش السائد أيام العثمانيين سيكون أيضا له دور كبير في تفعيل الفكرة وتثبيت الطعم...فلا عجب أن يختار #اوباما# أنقرة لبث خطابه ومناجاته للعالم الإسلامي...في إشارة إلى أن الغرب يعتبر تركيا الآن مفتاح العالم الإسلامي و حتما أنها المنوال الأمثل للمجتمع الإسلامي الذي يمكن أن يتعامل معه الغرب وعلى البقية الاقتداء بها...و السير على أفكارها، التي ربما كانت مشفرة في مسلسل نور أو سنوات الضياع...أو...
لقد علق احد التلاميذ على هذا النزيف من المسلسلات بطريفة..تتناسب ومعانات أقرنائه: العلم...
نوروالجهل...
مهند والدراسة كلها ...
سنوات ضياعوالطرد...
لحظة وداعوتصبح المدرسة...
لا وطن لا مكانوهكذا....
تمضي الأيام و إذا قمنا بقراءة لبعض هذه الأفكار التي حملتها بعض هذه المسلسلات...نجدها توصي أساسا:
.1أنه من الطبيعي جدا لأي شخصية في المسلسل أن يقبل أن يكون عشيق لأمه أو لأخته أو لابنته
بل ويحرّم عليه أن يحاسب في ذلك
( !!!!! حرية شخصية) .2أنه يستقبل أمر حمل أخته الغير شرعي بكل رحابة صدر وكأن النخوة لم تكن يوما في رؤوس الرجال !!!!!
.3طبعا كما أنه من الطبيعي جدا في هذه المسلسلات الإجهاض الذي تحرمه كل شرائع الدنيا و باختلاف توجهاتها الدينية والعلمانية، أما في هذه المسلسلات تمارس على أنها حل لمشكلة !!!!!
بل لا نجد فيها ما يحرم ذلك من طب أو قانون أو عقيدة
(حل سيتعلمه ويعتاد عليه جيلنا الصاعد) .4 يقبل الولد الغير شرعي للفتاة و للشاب في العائلة ويستقبل بالأرز والورود ويصبح طفلهم المدلل !!!!!!
5.وهناك تفاصيل عديدة لا حصر لها ..كلها تصب في منحى تحليل أو إيجاز ما حرمته عقيدتنا السمجاء.
و أطفالنا و أخواننا وأخواتنا وأمهاتنا يشاهدون هذا بشكل يومي وبمتابعة دورية ومنتظمة...وهذه "القيم و الخصال" تتغلغل شيئا فشيئا في ممارساتنا اليومية...حتى نصبح نحلل المحرم...ونقول فلان في المسلسل يصلي ويفعل ذلك...و شيئا فشيئا تضيع نخوتنا وقيمنا
لو أنك علمت طفلك أن 1+1=3
وفي المدرسة تعلم أن 1+1=3
والإعدادية و الثانوية تعلم ذلك فلن يقتنع وهو طالب جامعي ومثقف بأن 1+1=2
نعم يا أخواني ستصبح سنوات الضياع هي عنوان سنواتنا المقبلة
ونور ستكون ظلمة لنا فوق الأرض و تحت الأرض و يوم العرض
نحن لا نهول الأمور أو نبالغ أو نتحامل على برامج دون غيرها... فحملات الغزو الثقافي لم و لن تولد بين عشية وضحاها...صحيح الزحف بدأ منذ حقبة...و قنواتنا الفضائية الكل يعرف وجباتها...والكل واع الآن بخطورتها وانعدام الشروط الصحية في أطباقها...لكن حين يقدم إليك الطبق مشكل ومعد وفق عاداتك و أعرافك، كطجين #لحم و برقوق#... غير أن اللحم كان لحم خنزير أو أهل لغير الله...فقليل هم من يفطنون لذلك أو يسعون لتقصي الأمر !!